عدد المساهمات : 251 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 19/05/2010 العمر : 39
موضوع: الاجتماع وعدم التفرق الإثنين فبراير 07, 2011 12:37 pm
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد ... فقد أمرنا الله سبحانه بالاجتماع وعدم التفرق فقال عز وجل : ( يأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون . واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون ) . قال ابن كثير : ( أمرهم الله عز وجل في هذه الآية الكريمة بالجماعة ونهاهم عن الفرقة ، وقد وردت الأحاديث المتعددة بالنهي عن التفرق والأمر بالاجتماع والائتلاف ، وقد ضمن لهم العصمة من الخطأ عند اتفاقهم واجتماعهم ، وخيف عليهم الخطأ عند الافتراق والاختلاف ) . وقال القرطبي : ( إن الله يأمر بالألفة ، وينهى عن الفرقة ، لأن الفرقة هلكة والجماعة نجاة ) . أيها الأخوة .. إن الاجتماع وعدم التفرق أصل عظيم من أصول هذا الدين ، إن الدين يدعو إلى الاجتماع ووحدة الصف وجمع الكلمة ، وعدم التفرق وتشتيت الشمل . إن قوة الدولة وكيانها إنما يكون باجتماع الكلمة ووحدة الصف . الاجتماع ووحدة الصف يساعدان المجتمع على مواجهة التحديات ، ويعملان على تحقيق وعي الأمة بفهم ذاتها فهما صحيحا . الاجتماع ووحدة الصف يحققان الألفة والمحبة ، وكل ما يؤدي إلى الترابط في المجتمع . يؤدي الاجتماع إلى تحقيق الألفة بين المسلمين ، وانتشار التعارف فيما بينهم ، وبذلك تتحقق المودة ، ويسود الإخاء ويعم التعاون ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ) . في الاجتماع تقوية لجانب المسلمين في المجتمع الواحد ، ورفع روحهم المعنوية انطلاقا من الاعتقاد بأن يد الله مع الجماعة ، ومن كانت يد الله معه كان واثقا من نصر الله تعالى ، ثبت في سنن الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يد الله مع الجماعة " . الاجتماع يخيف الأعداء ، ويلقي الرعب في قلوبهم ، ويجعلهم يخشون شوكة الإسلام والمسلمين ، ومن ثم يكون الاجتماع عزة للمسلمين . إن توحيد الصفوف واجتماع الكلمة هي الدعامة الوطيدة لبناء الأمة ، ودوام دولتها ، ونجاح رسالتها : كونــوا جميعا يا بني إذا اعترى خطب ولا تتفرقــــــوا آحادا تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا وإذا افترقن تكسرت أفرادا أيها الأخوة ... إن القاعدة الأصيلة بين المسلمين أن يسعوا في كل أمر يؤلف بين قلوبهم ويجمع كلمتهم ، ويوحد رأيهم ، وأن ينابذوا كل ما يضاد ذلك . ولذلك وجب علينا جميعا وخصوصا عند الفتن وغياب صوت الحق والحكمة أمران : الأول : أن يتحد أفراد المجتمع ويكونوا صفا واحدا ، ويتركوا الخلافات جانبا ، ثانيا : أن يتحدوا مع حكامهم ويكونوا صفا واحدا ، وأن يسمعوا ويطيعوا لهم في غير معصية الله ، فإنه كما يقول العلماء : قد علم بالضرورة من دين الإسلام أنه لا دين إلا بجماعة ، ولا جماعة إلا بإمام ، ولا إمامة إلا بسمع وطاعة . إن السمع والطاعة لولاة الأمر في غير معصية الله ، والوقوف معهم صفا واحدا أمر واجب ، لا خلاف بين سلف الأمة في ذلك . يقول الحسن البصري : هم يلون من أمورنا خمسا : الجمعة والجماعة والعيد والثغور والحدود ، والله لا يستقيم الدين إلا بهم ، وإن جاروا وظلموا ، والله لما يصلح الله بهم أكثر مما يفسدون ، مع أن طاعتهم والله لغبطة ، وإن فرقتهم لكفر . ولقد كان السلف الصالح يولون هذا الأمر اهتماما بالغا ، لا سيما عند ظهور بوادر الفتنة ، نظرا لما يترتب على الجهل به أو إغفاله من الفساد العريض في العباد والبلاد , والعدول عن سبيل الهدى والرشاد . يقول حنبل كما أخرجه الخلال في السنة : اجتمع فقهاء بغداد في ولاية الواثق إلى أبي عبد الله – يعني الإمام أحمد بن حنبل – وقالوا له : إن الأمر تفاقم وفشا ، يعنون القول بخلق القرآن وغير ذلك ، ولا نرضى بإمارته ولا سلطانه ، فناظرهم في ذلك وقال : عليكم بالإنكار في قلوبكم ولا تخلعوا يدا من طاعة ، لا تشقوا عصا المسلمين ، ولا تسفكوا دماءهم ودماء المسلمين معكم ، وانظروا في عاقبة أمركم ، واصبروا حتى يستريح بر ، ويستراح من فاجر . أيها الأخوة... لا يجوز تأليب الناس على ولاة أمورهم وإيقاع البغضاء فيما بينهم ، سواء عن طريق المظاهرات أو الاعتصامات أو التشهير العلني بهم أو التنقص منهم أمام الناس ، فيحصل التهييج والفوضى في المجتمع ، فإن هذا مخالف لهدي سلف الأمة ، وقد حمل لواء هذا الفكر أناس من الجهلة لم يكن لهم حظ من العلم ، ولم يقرءوا التاريخ ليروا خلاف منهجهم ، وصحة منهج السلف الصالح . ولم يدر هؤلاء المفتونون أن أكثر ولاة أهل الإسلام من عهد يزيد بن معاوية – حاشا عمر بن عبد العزيز وبعض بني أمية – قد وقع منهم الجراء ة والحوادث العظام والخروج والفساد في ولاية أهل الإسلام ، ومع ذلك فسيرة الأئمة الأعلام والسادة العظام معهم معروفة مشهورة ، لا ينزعون يدا من طاعة فيما أمر الله سبحانه به ، ورسوله صلى الله عليه وسلم من شرائع الإسلام وواجبات الدين . وخير مثال على ذلك الحجاج بن يوسف الثقفي ، وقد اشتهر أمره في الأمة بالظلم والإسراف في سفك الدماء ، وانتهاك حرمات الله ، وقتل من قتل من سادات الأمة كسعيد بن جبير ، وحاصر عبد الله بن الزبير وقد عاذ بالحرم الشريف ، واستباح الحرمة وقتل ابن الزبير ، مع أن ابن الزبير قد أعطاه البيعة وبايعه عامة أهل مكة والمدينة واليمن وأكثر سواد العراق ، والحجاج نائب عن مروان ثم عن ولده عبد الملك ، ولم يعهد أحد من الخلفاء إلى مروان ولم يبايعه أهل الحل والعقد : ومع ذلك لم يتوقف أحد من أهل العلم في طاعته والانقياد له فيما تسوغ الطاعة فيه من أركان الإسلام وواجباته . وكان ابن عمر رضي الله عنهما ومن أدرك الحجاج من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينازعونه ، ولا يمتنعون من طاعته والانقياد إليه ، فيما يقوم به الإسلام ويكمل به الإيمان ، وكذلك من في زمنه من التابعين كسعيد بن المسيب والحسن البصري وابن سيرين وإبراهيم التيمي ، وأشباههم ونظرائهم من سادات الأمة . واستمر العمل على هذا بين علماء الأمة وأئمتها ، يأمرون بطاعة الله ورسوله ، والجهاد في سبيله مع كل إمام بر أو فاجر ، كما هو معروف في كتب أصول الدين والعقائد . أيها الأخوة .. كل ما سبق يؤكد ويؤيد ضرورة الاهتمام بهذا الأصل العقدي وترسيخه خصوصا عند غلبة الجهل وظهور الفتن والشقاق بين صفوف المجتمع الواحد . إن الغرض من هذا الكلام هو أن يكون المجتمع صفا واحدا ووحدة واحدة فيما بين بعضهم البعض ، وأن يكونوا وحدة واحدة وصفا واحدا مع ولاة أمورهم ، دون تهييج للشارع عليهم بالكلام الجارح ، أو التشهير بهم على المنابر ، فإن كان هناك نصيحة لهم فتكون بالسر ، لما ثبت في المسند أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من أراد أن ينصح لسلطان بأمر فلا يبد له علانية ، ولكن ليأخذ بيده فيخلو به ، فإن قبل منه فذاك ، وإلا كان قد أدى الذي عليه له " ، وفي الصحيحين عن أسامة بن زيد أنه قيل له : ألا تدخل على عثمان لتكلمه ، فقال : أترون أني لا أكلمه إلا أسمعكم ، والله لقد كلمته فيما بيني وبينه ما دون أن أفتح أمرا لا أحب أن أكون أول من فتحه . فإن لم يستجب للنصيحة فالواجب الصبر وكراهة المعصية بالقلب والدعاء له بالهداية ، في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر عليه ، فإنه ليس أحد يفارق الجماعة شبرا فيموت ، إلا مات ميتة جاهلية " . وفي صحيح مسلم عن عوف بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم ، ويصلون عليكم وتصلون عليهم ، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم ، وتلعنونهم ويلعنونكم " ، قيل يا رسول أفلا ننابذهم بالسيف ؟ قال :" لا ، ما أقاموا فيكم الصلاة ، وإذا رأيتم من ولاتكم شيئا تكرهونه فاكرهوا عمله ولا تنزعوا يدا من طاعة " وفي لفظ : " ألا من ولي عليه وال فرآه يأتي شيئا من معصية الله ، فليكره ما يأتي من معصية الله ، ولا ينزعن يدا من طاعة " . أيها الأخوة الكرام .. هذا الكلام ليس كلامي أو كلام أناس آخرين بل هو كلام سيد البشر إمام الحكماء ، رسول الأنام ، عليه الصلاة والسلام . إن العاقل هو الذي يدرك بعقله وحكمته الأمور ويدرك عواقبها ، والجاهل هو الذي يفكر بعاطفته وجهله ، ولا يدرك عواقب الأمور وبواطنها ، إن المجتمع كغيره من المجتمعات تمر عليه أحوال يتحتم على أفراده جميعا أن ينظروا إليها بعين العقل والبصيرة والحكمة ، وأن يغلب الإنسان مصلحة مجتمعه وبلده على مصلحة نفسه الخاصة . إن الواجب علينا جميعا أن نكون جبهة داخلية واحدة ، أن نكون صفا واحدا ، أن تتوحد كلمتنا وصفوفنا فيما بين بعضنا البعض ، وبيننا وبين ولاة أمورنا . إنها دعوة صريحة وواضحة للم الشمل واجتماع الكلمة وعدم التفرق ، والحذر من الإشاعات ، والحذر من إشاعة الفوضى في المجتمع عن طريق السب والتجريح والتشهير العلني لولاة الأمور ، مما ينذر بفتنة عظيمة لا يعلم خطرها إلا الله سبحانه . نسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين .